في ذكرى التحرير اليوم، لن يتأخر الأمين العام في حزب الله في الدفاع عن المقاومة، أكان في لبنان أم في البلاد المجاورة. فهذه الذكرى لن تكون خاصة بلبنان فقط، بل ستتعدّاه إلى ما بعد بعد الحدود نادر فوز
لن تكون مهمّة الأمين العام في حزب الله، السيد حسن نصر الله، سهلة اليوم. فذكرى التحرير هذا العام تترافق مع العديد من المتغيّرات الداخلية والإقليمية، والحديث خلالها عن المقاومة وإنجازاتها سيرتبط عضوياً بما يجري عند الحدود وخارجها. دفاع نصر الله عن المقاومة وموقعها سيتّخذ شكلاً خاصاً هذا العام. سيتحوّل إلى منطلق للدفاع عن «المحور المقاوم والممانع» في المنطقة. وإذا كان لا بدّ من إعادة تأكيد الثوابت والعهود التي سبق أن أطلقها حزب الله في الدفاع عن لبنان، فإنّ تناول نصر الله لمجموعة من الملفات سيكون أسهل، وأولها التشديد على تسييس ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خصوصاً بعد الخطاب الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما.
أما تناول زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، فسيكون له نكهة خاصة، في ظلّ تواتر نتائجها إلى مجالس الأكثرية الجديدة.
وليس بعيداً عن خطاب نصر الله، يجري في أوساط الأكثرية تأكيد أنّ الرسول الأميركي حضر إلى بيروت للقيام بخطوتين: تسكير الحدود الجنوبية على الجميع والتحذير من خطورة تكرار ما حصل يوم 15 أيار، والتشجيع على فتح الحدود الشمالية أمام اللاجئين السوريين والدعوة إلى إقامة مخيّمات فيها، قد يكون لها في وقت لاحق أهداف سياسية وأمنية واضحة المعالم والتوجّهات، أكان للضغط على النظام في دمشق أم لتحريك الشارع في لبنان.
والرسول الأميركي، بحسب المجالس نفسها، حاول التلطّي وراء نظارته السميكة هذه المرة، وطرح على المعنيين في بيروت بطريقة غير مباشرة نتائج إصدار قرار دولي يقضي بمحاصرة سوريا. لم يسأل جيف من قابلهم عن رأيهم بالموضوع ولم يتجرّأ على إملاء أي موقف عليهم، إذ اكتفى بالتلميح بنحو أو بآخر، إلى أن بإمكان الحكومة اللبنانية أن تكون على الحياد في التصويت على هذا القرار. كل هذه العوامل والمعلومات المتداولة في مجالس قوى الأكثرية، فكّكتها قيادة حزب الله وحلّلتها ووضعتها في السياقات السياسية اللازمة، واليوم، السيد نصر الله كعادته، ليس مضطراً إلى البوح بها أو الإشارة إليها، لكنه قد يكتفي ببعث الرسائل المناسبة.
من يدورون في محيط الأقلية السابقة يؤكدون أنّ الأمين العام لحزب الله قد لا يتطرّق «بشهية» إلى ملف الأحداث والثورات العربية، وخصوصاً ما يحصل في سوريا، إذ إنّ المحور الأساسي سيكون مناسبة التحرير والقضية الفلسطينية. ولو أنه في مجالس الأكثرية بدأ البعض بالاعتراف بأنّ ما يحصل في دمشق «مشكلة جدية»، وأنه «لو لم تكن الأرضية موجودة أصلاً لما وقع ما يحصل اليوم». هذا الكلام قيد المناقشة مع التأكيد التام للثقة الكاملة بموقع النظام السوري الممانع ودعم الرئيس السوري بشار الأسد للمقاومة وللصراع العربي ـــــ الإسرائيلي بعيداً عن أي رغبة في التحاور أو التفاوض مع تل أبيب. وفي السياق نفسه، يؤكد الأكثريون أنّ القيادة السورية تبحث بجدية عن حلّ لأزمتها الداخلية من دون أن يعني ذلك أنّ المخرج قريب ما دام ليس من «طرف أو حزب تحاوره، فمع من ستحلّ الأمور؟ ومع من سيكون الحوار؟ مع من ينصبون الحواجز ويطلقون النار؟».
في خطاب اليوم، لن يتأخر نصر الله في تكرار عبارته المحببة: «تحت قصف الطائرات والبوارج لم نخضع ولم نسلّم»، ومنه سينطلق كالعادة للحديث عن «الإخوة الفلسطينيين» وعن دعم كل «مواطن عربي شريف» للمصالحة بين حركتي فتح وحماس. ومن هذا العنوان، سيكون لـ«مسيرة العودة» حصة خاصة من كلمة الأمين العام لحزب الله.
في مجالس الأكثرية الجديدة، لا يختلف اثنان على أهمية ما حصل في مارون الراس أو في «ساحة المجد»، مع التحليل الأهم حول ما جرى يوم 15 أيار 2011: القوات الإسرائيلية تعمّدت القنص والقتل بهدف كبح الحراك الفلسطيني وتكبيله وإضعافه وإيصال رسالة واضحة بأنّ من يقترب من حدودها سيلقى المصير نفسه. لكن في المقابل، كان لقوى المقاومة ومن حولها رأي آخر وقد أبلغته للمعنيين في الفصائل الفلسطينية: هذه الرسالة لا ينبغي أن تردعكم، لقد برهن شبابكم عن الشجاعة، تخّلوا عن انتماءاتهم الحزبية وتخطّوا اختلافاتهم، وساروا شعباً واحداً نحو أرضهم. الأهم في هذا الأمر، تأكيد الجميع أنّ كافة شرائح اللاجئين لم تنس همّها وأرضها، بمن فيها أجيال ما بعد الحرب وما بعد الانتفاضتين!
الحديث عن المقاومة في الذكرى الحادية عشرة للتحرير لا يمنع الحريصين عليها والدائرين في فلكها من التعبير عن حلم أو طموح يسعون إلى تحقيقه في فترة الأزمات هذه. وإذا كان الحلم بتحرير فلسطين يبدو بعيداً اليوم، فطموح البعض ينصبّ على أن تكون حركة مقاومة إسرائيل مشكلّة وملوّنة من أطراف عقائدية متنوّعة ـــــ لا بل مختلفة جذرياً ـــــ لا يوحّدها سوى قضية التحرير. فلا يتردّد البعض في الإشارة إلى أنّ «الفرق العسكرية عند الجبهة تتألف من مؤمنين وقوميين وشيوعيين وملحدين، لكنهم يقاتلوننا بالزخم نفسه».
باختصار، في ذكرى التحرير هذا العام، بات هؤلاء الحريصون يدركون تماماً مخاطر الأزمة والفتنة الداخلية، وثمة من لا يتأخر في القول إن «تدمير مدينة بكاملها في الصراع الصحيح أفضل من كسر لوح زجاج بين لبناني وآخر أو بين لبنان وفلسطيني أو بين فلسطيني وفلسطيني».
هذا الطموح وهذه الصورة الجامعة التي يريد البعض لملمة أجزائها وجمعها، لا تتوافق مع بعض ما يجري في الجنوب وبعض المواقف التي يطلقها مسؤولون في المقاومة. على سبيل المثال، من المستغرب في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية، أن يعمل مسؤولون في حزب الله على إلغاء شريحة من المقاومين الجنوبيين تحتسي الخمور، وهذا الأمر يتنافى مع مبدأ هذه الصورة الجامعة. ولو أنه إذا سُئل قياديو حزب الله لأجابوا بأنّ القيادة لا علاقة لها بهذا الموضوع، وأنّ الاحتجاج وقع على خلفية إبعاد أماكن بيع الكحول عن المدارس والمعاهد. وفي الوقت نفسه، ليس منطقياً أن يصدر نائب الأمين العام في حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، موقفاً يرفض الزواج المدني والقانون المدني للأحوال الشخصية على أساس أنهما مخالفان للشريعة الإسلامية، وهو ما يقصي أجزاء من الصورة الملوّنة للمقاومة.
تبقى التمنيات أن يخرج نصر الله اليوم ليشير إلى أنّ التقديرات الإسرائيلية متواضعة حول القدرة الصاروخية للحزب. وبالتأكيد لن يخلو خطابه من تهديدات تعيد الصراع إلى المربّع الأول... بلا مفاوضات ولا دولة موعودة على أوراق الأمم المتحدة.