Rania Chokr Moderator
عدد المساهمات : 139 مشاركة : 411 التقيم : 45 تاريخ التسجيل : 05/05/2011 العمر : 43 الموقع : https://moghtareb.yoo7.com
| موضوع: من وحي الغربة..شعر وشعراء الثلاثاء مايو 17, 2011 9:08 am | |
|
الغربة أو الاغتراب ليست ظاهرة جديدة على الإنسان العربي بل هي ظاهرة قديمةٌ قدم الإنسان في هذا الوجود. فمنذ أن تكون المجتمعات الأولى نشأت العديد من الأزمات التي نتج عنها -بشكل أو بآخر- أنواع من الاغتراب قاسى منها الفرد. وقد عاش أجدادنا القدماء بين حل وترحال لملاحقة أسباب العيش أو للابتعاد عن الصراعات القبلية والخلافات التي كانت ظاهرة مألوفة قديما، وقد ترك هذا الترحال وما تمخض عنه من معاناة وحنين آثاراً واضحة في نفسية الإنسان انعكست بوضوح في القصائد الشعرية التي كشفت عن نفوس طامحة وأرواح مجنحّة وجدت في الأرض جحيماً لا يُطاق.
وأضحت الغربة عنصراً أساسياً في بناء القصيدة كما أصبحت زادا في الفن والأدب نهل منها الكثير من الشعراء وتغنوا بها .وقد تناول الشعراء معنى الغربة بأكثر من مفهوم فهناك غربة المكان وهي البعد عن الوطن الى جهات بعيدة ونائية عنه وغربة الزمان وغربة الروح وهي عندما تنفصم عرى الوثاق بين الإنسان ونفسه، والغربة النفسية حيث يشعر الفرد أنه غريب عن أفراد مجتمعه والتي قال عنها أبو حيان التوحيدي: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه، وأبعد البعداء من كان بعيداً في محل قربه».
فالغريب لا يهنأ له بالٌ في غربته،كما ورد في ديوان الشافعي:
إنَّ الغريبَ له مَخافَةُ سارقٍ -- وخُضوعُ مَديونٍ وذِلة مُوثَقِ
فإذا تَذكَّرَ أهَلَه وبِلادَهُ -- فَفؤادُه كَجناحِ طَيرٍ خَافِقِ
ونجد الشنفري في حكيماً وفيلسوفاً، يهرب من عذابه ومن ظلم القبيلة، ويبحث عن سعادته في أرض الله الواسعة بعد أن اتخذ من البيداء ملاذاً ومهرباً من ظلم المجتمع وسلطان القبيلة التي نبذته وحكمت عليه بقوانينها الجائرة، فهو يقول:
وفي الأرض منأىً للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القِلى مُتعزَّلُ
لعمرك ما في الأرض ضيقٌ على امرئٍ سرى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ
أما أبو الطيب المتنبي فقد حلّ عليه عيد الأضحى وهو غريب في الصحراء - والغربة في العيد أشد نكالاً - وهو في هذا العيد بعيد عن الأهل والأحباب:
عيدٌ بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أمَّا الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونها بيدُ
ويقول أيضا:
بم التعلل لا أهلٌ ولا وطنُ
ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ
وعلى الرغم من جمال الطبيعة الخلابة وطيب هواء الوادي وروعة خضرة الجبال إلا أن كل هذه المقومات تعجز عن أن تصرف عن المتنبي ذلك الشعور المرير بالغربة:
مغاني الشِّعب طيباً في المغاني بمنزلةِ الربيعِ من الزمانِ
ولكن الفتى العربي فيها غريبُ الوجهِ واليدِ واللسانِ
ويصف المتنبي الألم الناتج عن الغربة :
ضقت ذرعاً بذلتي واغترابي وفراق الإخوان والأحباب
جاوز الدّهر حدّه في اهتضامي وكأن الزمان يهوى عذابي
ويقول الحسين بن علي الطغرائي في قصيدته المشهورة بلامية العجم:
فيمَ الإقامة بالزوراء، لا سكني بها ولا ناقتي ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ، صفرُ الكفِّ منفردٌ كالسيف عرّي متناه عن الخللِ
فلا صديق إليه مشتكى حَزَني ولا أنيسَ إليه مُنتهى جذلي
قال أبو تمام :
ما اليومُ أولَ تـوديع ولا الثــانـِي ........ البـيـنُ أكثـُر مـن شَـوقـي وأحــزانـي
دعِ الفـراقَ فإن الـدهـرَ سـاعَدَهُ ....... فصـارَ أمْـلَـكَ مـن رُوحـي بجثـمـاني
خليفة الخِضْرِ مَنْ يَربَعْ على وطنٍ ....... في بلدةٍ فظهـورُ العيسِ أوطـانـي
بالشـامِ أهلـي،وبغــدادُ الهـوى .......... ،وأنا بالـّرقتـيـن وبالفـُسـطـاطِ إخـواني
وما أظـنُ النـوَى تـَرضـى بما صَنَعتْ ......... حتى تُـطَـَوحَ بي أقصى خُـراسانِ
وليسَ يعــرفُ كنهَ الوصـلِ صاحِبُـهُ ........... حتـى يُغـَادَى بنأي أو بـِهجْــرانِ
مراجع:
د.جابر قميحه: الغربة والغرباء في ديوان الشعر العربي
طالب ياسين: الاغتراب تحليل اجتماعي ونفسي لأحوال المغتربين وأوضاعهم.
| |
|